دراسة حقليَّة بعُنوان: تحوُّلات بنيَة الصِّراع الإسرائيلي الفلسطيني بعد السَّابع من أكتوبر (الصِّراع الثَّقافي نمُوذجًا)
ملخص الدراسة
منذ عقد من الزمن بدأت تظهر ملامح تحوُّلات كبيرة على بنية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتمثَّلَت هذه التحوُّلات في بروز النَّزعة الدينيَّة المتطرِّفة عقب صعود اليمين الدِّيني لسُدَّة الحكم في إسرائيل، بعد تولي حزب اللِّيكود بزعامة نتنياهو مقاليد السُّلطة عام 2009، وجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين واليمين الدِّيني، ممَّا أدَّى إلى وجود صراع على هُوِيَّة الدَّولة والمجتمع داخل كيان الاحتلال بين العلماني والدِّيني، وعلى مستقبل الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي فقد انعكست هذه التحوُّلات على شكل ومضمون الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأسهمت في تراجع فرص التَّسوية السياسيَّة من خلال مبدأ حلِّ الدولتين لصالح تعزيز النَّزعة الأمنيَّة والعسكريَّة في التَّعامل مع المسألة الفلسطينيَّة، والتي أدَّت إلى مزيد من القتل والتَّدمير.
كما أنَّ عمليَّة السَّابع من أكتوبر عزَّزت النَّزعة المتطرِّفة داخل الكيان الإسرائيلي، وأسهمت في زيادة حدَّة الإجرام الإسرائيلي الممارس بحقِّ الشَّعب الفلسطيني، سواء في غزَّة أو في الضفَّة الغربيَّة، بدون أيِّ قدرة دوليَّة أو إقليميَّة على ردعه، سواء من خلال الضَّغط السياسي أو الإدانات القضائيَّة، وترافق ذلك مع غياب أيِّ أفق لتسوية سياسة ترتكز على مبدأ حلِّ الدَّولتين، بسبب تراجع قدرة الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة على لعب دور محوري في مسار التَّسوية، والقبول بالوساطة الشكليَّة التي تسمح للاحتلال بتعزيز نهج إدارة الصِّراع وصولًا إلى مرحلة حسم الصِّراع وفق رؤية اليمين الدِّيني المتطرِّف.
وبيَّنت الدِّارسة سمات وخصائص الهُوِيَّة الوطنيَّة الفلسطينيَّة التي جاءت كردة فعل على المشروع الصُّهيوني، ومحاولات الحركة الصهيونيَّة تغييب هُوِيَّته الوطنيَّة، كما أبرزت سمات وخصائص الهُوِيَّة الوطنية الحقيقيَّة مقابل الهُوِيَّة الإسرائيليَّة المتخيلة، وقدمت شرحًا حول جهود اليمين الدِّيني الحاكم في إسرائيل لتغييب الهُوِيَّة الوطنيَّة الفلسطينيَّة من خلال قانون القوميَّة، وخطة صفقة القرن فترة ترامب، وخطَّة حسم الصِّراع التي تهدف إلى منع قيام كيانيَّة سياسيَّة فلسطينيَّة على أيِّ قومي، وطرد أو ترحيل الشَّعب الفلسطيني.
وأوضحت محاولات إسرائيل سرقة الموروث الثَّقافي والحضاري والتَّاريخي للشَّعب الفلسطيني في إطار صراع الهُوِيَّة، المتمثلة في محاولات سرقة الثَّوب الفلسطيني والأكلات الفلسطينيَّة والعربيَّة، ومحاولات تغيير المعالم التاريخيَّة وسرقة الآثار، وتغيير أسماء المدن والسَّاحات في البلدة القديمة بالقدس، كما بيَّنت محاولات الحكومات الإسرائيليَّة المتعاقبة إحداث تقسيم مكاني وزماني في المسجد الأقصى المبارك.
وبيَّنت الدِّراسة تحوُّلات بنية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي في أبعاده الهُوِيَّاتي والتُّراثي والحضاري، وانعكاس هذه التطوُّرات على مستقبل التسوية والأرض الفلسطينية، فعلى الرغم من أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي نشأ منذ البداية كصراع حول الأرض كمحدد رئيسي، إلَّا أنَّه رغم أهميَّة الأرض لدى الطَّرفين لم تعد تمثل الإطار النَّاظم للمعادلة الفلسطينيَّة الإسرائيليَّة، خاصَّة بعد نجاح المشروع الصُّهيوني في السَّيطرة على معظم الأرض الفلسطينية، سواء عبر الحروب أو عبر الاستيطان، فقد بات من حكم المؤكد أنَّ الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد صراعًا سياسيًّا حول ملكيَّة الأرض، بل تحوَّل هذا الصِّراع إلى صراع حضاري وثقافي وتراثي على هُوِيَّة الأرض الفلسطينيَّة وملكيَّتها، وملكية تراثها وتاريخها وحضارتها وماضيها ومستقبلها، كما ترافق مع التحوُّل في بنية الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي جنوح المجتمع الإسرائيلي أكثر نحو اليمين المتطرِّف الذي يستمدُّ كل تصوُّراته الأيديولوجيَّة والسياسيَّة والثقافيَّة من المفاهيم التوراتيَّة الدينيَّة التي تُؤجِّج الصِّراع، وتحوّله من صراع سياسي إلى صراع ديني حضاري. وأكدت الدراسة على التوصيَّات التَّالية:
- أهميَّة تصعيد حالة الاشتباك السياسي والقانوني والدبلوماسي في المحافل الدوليَّة، بما يعزز من مكانة فلسطين على الخارطة الدوليَّة، ويُؤكِّد على حق تقرير المصير للشَّعب الفلسطيني على أرضه، لمواجهة خطَّة حسم الصِّراع التي تستهدف الكينونة السياسيَّة للشَّعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره.
- ضرورة العمل على فضح الممارسات الإسرائيليَّة الإجراميَّة التي تهدف إلى حسم الصِّراع من خلال استغلال عمليَّة السَّابع من أكتوبر لقتل وتهجير الفلسطينيَّين من أرضهم، عبر زيادة حدَّة إجرام الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، والذي يهدف إلى تصفية الوجود المادي والمعنوي والثَّقافي للشَّعب الفلسطيني.
- ضرورة التَّأكيد على أهميَّة تصعيد المقاومة الشعبيَّة والدبلوماسيَّة الشعبيَّة كأدوات لمواجهة صراع الهُوِيَّة المحتدم بين الشَّعب الفلسطيني ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
- ضرورة التصدِّي لمحاولات إسرائيل سرقة الموروث الثَّقافي والحضاري الفلسطيني، من خلال إدراج التُّراث المادي واللَّامادي الفلسطيني في لائحة اليونسكو والمنظمات الدوليَّة الأخرى.
- التَّأكيد على أهميَّة فضح محاولات إسرائيل سرقة الآثار الفلسطينيَّة لتزييف التَّاريخ من خلال برامج إذاعيَّة وتلفزيونيَّة متخصصة في تلك المجالات.
- التَّأكيد على أهمية المقاربة القانونيَّة في المحافل الدوليَّة لمواجهة محاولات إسرائيل تغييب الهُوِيَّة الوطنيَّة الفلسطينيَّة، عبر اللجوء للأمم المتَّحدة ومحكمة العدل الدوليَّة والمنظمات الدوليَّة – وخاصَّة اليونسكو- لحماية المورث الثَّقافي والحضاري للشَّعب الفلسطيني.
- تعزيز فكرة الحملات الشعبيَّة على وسائل التَّواصل الاجتماعي، وتعزيز الوعي الجمعي تجاه استخدام أسماء الشَّوارع المدن العربيَّة، وعدم التَّعاطي مع الأسماء اليهوديَّة والتوراتيَّة.
- ضرورة تسجيل الأكلات الفلسطينيَّة في اليونسكو باعتبارها تراثًا ماديًّا فلسطينيًّا لمواجهة محاولات إسرائيل سرقته وتوثيقه باعتباره جزءًا من تراثها الحضاري.
- ضرورة تنظيم مهرجانات للتُّراث الوطني الفلسطيني في العالم لعرض الأكلات والزي، والفلكلور الفلسطيني لحمايته من السَّرقة الإسرائيليَّة.