المجتمع المسيحي في قطاع غزة (المكانة التاريخية والدور الوطني وتحديات الواقع)

خبر حول اصدار دراسة

أصدر مركز فينيق للأبحاث والدراسات الحقلية، دراسة حقلية تطبيقية بعنوان المجتمع المسيحي في غزة بين المكانة التاريخية والدور الوطني وتحديات الواقع، تناول الدراسة التي جاءت من إعداد الباحثان د. منصور أبو كريم الباحث في الشؤون السياسية، د. إلهام شمالي الباحثة في التاريخ  الحديث والمعاصر، واواقع المجتمع المسيحي في غزة من كافة الجوانب، حيث عملت الدارسة التي تم الانتهاء منها قبل الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على توضيح مكانة هذا المجتمع عبر التاريخ، ودوره الوطني في الحركة الوطنية الفلسطينية، كما تناولت تحديات هذا المجتمع من الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأوضحت أسباب زيادة معدلات الهجرة في صفوف شباب هذا المجتمع، التي انحصرت في الأسباب الناتجة عن ممارسات الاحتلال من حروب وحصار، التي شكلت دافع قوى لهجرة شباب هذا المجتمع مما خلق فجوة عمرية، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية الفلسطينية وتداعيات الانقسام الفلسطيني، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وندرة فرص العمل، وأزمة السكن والزواج.

تناول الفصل الأول الجذور التاريخية للوجود المسيحي في غزة، حيث أوضحت الدراسة أن هذا الوجود يعود إلى القرون من انتشار الديانة المسيحية، حيث دخلت المسيحية غزة في القرن الرابع، على يد القديس بيرفيريوس، أسقف غزة 395-420 م، الذي وجد في غزة 300 مسيحي، في الوقت الذي هدمت المعابد والهياكل الوثنية، ومن ثم بينت كنيسة بيرفيريوس مكان المعبد في عيد الفصح سنة 407 م، وبنيت الكنائس والأديرة والمقامات الأسقفية على طوال ساحل مدينة غزة.

كما تناول الفصل الثاني، الدور الوطني الذي قام به الوجود المسيحي في غزة في الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين، عندما تصدر مشهد مقاومة المشروع الصهيوني العديد من الشخصيات الوطنية المسيحية، مرورًا بدوره الوطني في الحركة الوطنية الفلسطينية والثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، حيث قامت الهيئات والشخصيات الفلسطينية المسيحية بدورًا كبير في الحركة الوطنية الفلسطينية، وساهمت في التصدي للاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967، وشاركت في انتفاضة الحجارة عام 1987، فقدم المجتمع المسيحي بغزة العديد من التضحيات والشهداء والجرحى والأسرى خلال مسيرة النضال الوطني الفلسطيني.

بينما تناول الفصل الثالث المؤسسات المسيحية في غزة، حيث تم إجراء مسح شامل لكل المؤسسات المسيحية، ودورها الديني والثقافي والاجتماعي، حيث كشفت الدراسة عن الدور الكبير الذي تقوم به المؤسسات المسيحية العاملة في قطاع غزة في دعم صمود المجتمع الفلسطيني بشكل عام، والوجود المسيحي تحديدًا، دورها في اثراء الحياة الثقافية والفكرية الفلسطينية، حيث تعمل هذه المؤسسات بدافعها الوطني والأخلاقي والديني على المساهمة في تعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، من خلال برامج صحية وتعلمية وتأهيلية وتثقفية، لبناء الإنسان الفلسطيني وثقل قدراته وتطوير مهاراته في كافة المجالات.

في تناول الفصل الرابع التحديات السياسية والأمنية التي تواجه المجتمع المسيحي في غزة، واظهرت التحديات والعقبات التي تواجه المجتمع المسيحي في غزة، على المستويات السياسية والأمنية، المتمثلة في الاحتلال الإسرائيلية واجراءاته بحق المجتمع المسيحي، والانقسام الفلسطيني وتداعياته على المجتمع والأفراد، ودورهما في زيادة معدلات الهجرة والفقر في صفوف المجتمع المسيحي بغزة، كما تناول الفصل الخامس التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وبينت أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها مثل البطالة والفقر، وندرة الوظائف، وأزمة السكن والزواج، والتي شكلت دوافع إضافية لهجرة كثير من أبناء المجتمع المسيحي من غزة. كما تناول الفصل السادس والأخير نتائج الدراسة المسحية، حيث تم إجراء استبانة واستطلاع أراء كافة الأعمار والفئات من خلال المقابلات والاستبانة الورقة والإلكترونية، وقد توصلت الدراسة لمجموعة من النتائج والتوصيات، كان أهمها، ما يلي:

  • يعاني المجتمع المسيحي في غزة من حالة تناقص دائم في الأعداد، ما ينذر بإمكانية انقراض هذا الوجود أو تقلصه بشكل كبير خلال السنوات القادمة، نتيجة العديد من التحديات والصعوبات، التي باتت تشكل خطرًا وجوديًا على هذا المجتمع. فقد تناقصت الأعداد من 1688 فردًا في العام 1997، إلى1375 فرد في العام 2007، ليصبح 1313 في مارس 2014، أما في عام الدراسة 2023م فالعدد لا يتجاوز 1025 فردًا، نتيجة الهجرة والوفاة الطبيعية وقلة المواليد، وارتفاع معدل سن الزواج.
  • يعتبر الاحتلال وإجراءاته التعسفية بحق المجتمع الفلسطيني والوجود المسيحي في غزة من أكبر التحديات والقبعات أمام المجتمع المسيحي في غزة، فالاحتلال يعمل على تجزئة الأسر المسيحية، ويمنع وصول المواطنين للأماكن المقدسة في الضفة، ويعيق الترابط والتواصل الأسرى، لكثير من أبناء المجتمع المسيحي في غزة. حيث أفادت النتائج 85.97% أكدوا أن الحصار الإسرائيلي أكبر تحدي أمام الوجود المسيحي في غزة. 82.46 % يرون الحروب الإسرائيلية المتكررة على غزة تشكل خطرًا على حياتهم وحياة أسرهم، وتشكل دافع للهجرة. وحول التفكير بالهجرة ارتباطًا بالإجراءات الإسرائيلية من حصار وحروب، افاد 38.59% أنهم يفكرون بالهجرة بشكل كبير جدا، كما أفاد 73.69% أن الاحتلال الإسرائيلي يحول دون ممارسة المجتمع المسيحي حقوقه الدينية نتيجة الممارسات الإسرائيلية من حصار وحروب.
  • يشكل استمرار الانقسام الداخلي الفلسطيني عائقًا أمام تعزيز المجتمع المسيحي في غزة، نتيجة التداعيات السلبية التي خلفها الانقسام على الوجود المسيحي في غزة، والمتمثلة في غياب شعور الأمن الشخصي بسبب العديد من الممارسات الخاطئة، والأمان الوظيفي بسبب ندرة فرص العمل بغزة. لقد أفادت النتائج أن 45.61%، يروا أن استمرار الانقسام والأزمة الداخلية الفلسطينية يشكل تحدي أمام الوجود المسيحي في غزة. ويرى 49.12% أن غياب الممارسة الديمقراطية والانتخابات الدورية يمثل عقبة أمام انغماس أبناء المجتمع المسيحي في الحياة السياسية والاجتماعية، بينما يرى 78.95% أن بروز مظاهر للتطرف الديني يمثل تهديدًا على الوجود المسيحي في غزة.
  • تخلق الأوضاع الاقتصادية المتردية في غزة العديد من الإشكاليات للمجتمع المسيحي في غزة، حيث اشارت النتائج أن الوضع الاقتصادي المتردي شكل أكبر دافع للهجرة. حيث افاد 59.6% أن الوضع الاقتصادي هو السبب المباشر للهجرة، إضافة للوضع السياسي والأمني الذي جاء في المرتبة الثانية بنسبة 52.6%، كما أشارت النتائج أن 77.2% يرون أن البطالة وتردي والوضع الاقتصادي العام يشكل دافع للتفكير بالهجرة. بينما أكد 96.49% أن سوء الأوضاع الاقتصادية يمثل دافع للهجرة بشكل عام من غزة وليس للمجتمع المسيحي فقط. وأشار 78.95% أن أزمة السكن وقلة الوظائف تشكل أكبر تحدى أمام تعزيز المجتمع المسيحي في غزة. 

كما أوصت الدراسة بالعديد من السياسيات التي من شأنها تعزيز الوجود المسيحي في غزة، ومن ضمنها، ما يلي:

  • ضرورة تكاتف الجهود الوطنية الرسمية والشعبية والأهلية من أجل تعزيز صمود المجتمع المسيحي في غزة، عبر تبني خطة وطنية شاملة يساهم في وضعها فريق متخصص ومتكامل (حكومي أهلي، باحثين) من داخل المجتمع وخارجه، بهدف الارتقاء بواقع هذا المجتمع ومعالجة تحدياته وأزماته المختلفة، بما يساهم في زيادة انغماس هذا المكون في الحياة السياسية والمجتمعية، وكسر حالة العزلة.
  • العمل على رفع مستويات المشاركة السياسية لأبناء المجتمع المسيحي، من خلال تسهيل انخراط الشباب في القوى والأحزاب الفلسطينية، بما يساهم في زيادة مشاركة أبناء المجتمع المسيحي في الحياة السياسية والمجتمعية الفلسطينية.
  • على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية العمل على تخصص نسبة من الوظائف العامة لأبناء المجتمع المسيحي في كامل فلسطين، وفي قطاع غزة تحديدًا، من خلال استيعابهم في مؤسسات منظمة التحرير وزارات السلطة الفلسطينية العاملة في قطاع غزة، لضمان توفير فرص عمل لأنباء المجتمع المسيحي وتقليل نسب الهجرة.
  • تخصيص 5% من مشاريع الإسكان التي تقوم بها الدول المانحة لأبناء المجتمع المسيحي، لمواجهة أزمة السكن، والمساعدة في تكوين أسر مستقرة، بما يساهم في زيادة الأعداد وتقليل نسب الهجرة.