إسرائيل ومواطنيها الفلسطينيين بعد السابع من أكتوبر

“التضيق الأمني والمواطنة المحجوبة”

مقدمة:

هنالك فصل آخر من الحرب المدمّرة الّتي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين، من النهر إلى البحر، أي الى وجه آخر طالما عانى من التعتيم والتهميش. ونعني تعرُّض العرب الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل إلى حالة غير مسبوقةٍ من الملاحقة والتنكيل، والّذي تقوم به “دولتهم” في سياق تلك الحرب. إنّها دعوة مفتوحة للانتباه إلى هذا الجانب من الصراع والعمل دوليًا وإقليميًا وفلسطينيًا وداخليًا – أي إسرائيليًا – من أجل إيقاف هذه الملاحقات واحترام المكانة القانونيّة (حتى وإن كانت منقوصة) للمواطنين العرب، وذلك رغم محاولة اليمين القوميّ والدينيّ في إسرائيل تهميشها او تقويضها كما حصل في إقرار قانون أساس القوميّة (2018).

يشكّل العرب الفلسطينيون، مواطنو إسرائيل، نحو 20% من عموم المواطنين في إسرائيل، وقد حصلوا على المواطنة بعد إعلان قيام إسرائيل عام 1948، العام الّذي تخلّل حالة طرد وتطهيرٍ عرقيّ واسعيْن ضد غالبية الفلسطينيين (“النكبة”)، والّذي قامت بهما القوات اليهوديّة قبل إعلان الدّولة، واستمرّت بها المؤسسات الأمنيّة الإسرائيليّة بعد قيامها، وبذلك تشكلت حالة اللجوء الفلسطينيّ في دول عربيّة مجاورة، بينما بقيت الضفة الغربية تحت الحكم الأردني وقطاع غزة تحت الحكم المصريّ حتى حرب يونيو 1967، عندما قامت إسرائيل باحتلال هذه المناطق.

تمسَّكَ مُعظمُ الفلسطينيين في إسرائيل بمواطنتهم، وبهويتهم الفلسطينيّة-العربيّة، وشكّل هذا التّمسُّك محورًا مهمًّا في تطلعاتِهم وفي نضالاتِهم السياسيّة والاجتماعيّة، وساهمَ ذلك بدوره في تعزيز صمودهم في وطنهم، وفي تحقيق إنجازات فريدة، بحيث تحوّلوا تدريجيًا إلى جماعة تمتلك مقوّمات وميّزات تعليميّة واجتماعيّة واقتصاديّة، تفوق نسبيًا أيَّ مجموعةٍ عربيةٍ أخرى في العالم، ونستطيع القول بأنهم، نسبيًا، ومقارنةً بعددهم هم أقوى مجموعة عربيّة وفلسطينيّة مدنيّة في العالم. إلّا أنّ هذه الإنجازات الهامّة لم تمكّنهم من الحصول على مواطنة تشاركيّة متساويّة مع اليهود. فالدّولة اليهوديّة في جوهرها وتشريعاتها وسياساتها دأبت على وضعهم في خانة “المواطنين” من الدرجة الثانية، وفي كثير من الحالات جعلت من وضعهم أقرب إلى الأبارتهايد منه إلى الدّولة الدّيمقراطيّة الطّبيعيّة، وذلك حتّى وفق تعبيرات الإسرائيليين أنفسهم، فمنهم من يعتبرون دولتهم دولة فصل عنصريّ. وعمومًا، قد قامت حكومات نتنياهو منذ العام 2009 بتثبيت مسألة “التفوّق العرقيّ” لليهود من خلال سلسلة قوانين وإجراءات، أهمّها على الإطلاق كان إقرار قانون الدّولة القوميّة اليهوديّة، والّذي ينفي شراكة المواطنين العرب ويجعل الدّولة ملكًا حصريًا لليهود، سواء كانوا في إسرائيل أم في أنحاء العالم. هذا إضافةً الى إجراءات تنفيذيّة تؤكّد على أنّ الدّولة ليست محايدةً بين مواطنيها، بل تقوم بالكيل بمكيالين والعمل على موضعة العرب في خانة وفي مكانة ثانوية تُسهّل الانقضاض عليهم، وعلى بقايا مواطنتهم المضروبة والمحجوبة.

لعلّ أهمّ ما يدل على ادعائنا بشأن المكانة الثانوية والمهزوزة لمكانة المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، هي سلسلة وقائمة طويلة من الانتهاكات الإسرائيليّة، الرسميّة والشعبيّة، الّتي ترافقت مع إعلان حالة الحرب في إسرائيل في اعقاب هجوم حماس والجهاد الإسلاميّ في السّابع من أكتوبر 2023 على غلاف غزّة. وما زاد من تأزم وضع فلسطينيي 48 بعد بدء العمليات العسكريّة الإسرائيليّة ردًا على هجوم حماس ونتائجه، هو هول الاعتداءات الإسرائيليّة على المدنيين في غزّة وفظاعة الجرائم ضد الإنسانيّة، الّتي أوجعت ضمير كل إنسان في العالم، فما بالك عندما يصل الأمر بأبناء نفس الشعب، الممنوعين حتى من إبداء حالة تعاطف إنسانيّ أو تفهّم للمعاناة الإنسانيّة لهذا الجزء من شعبنا، أي فلسطينيي غزّة.

بعد إعلانها حالة الحرب قامت إسرائيل الرسميّة والشعبيّة في غالبيتها، بالتعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين على أنّهم “طابور خامس” من الأعداء، وبرزت دعواتٌ لترحيلهم والانقضاض عليهم جماعيًا وفرديًا بصفتِهم “غير موالين للدّولة” ولأجندتها ضد الشعب الفلسطينيّ وحقوقه، وحقوقهم، في وطنهم، بما في ذلك من جهات رسميّة وأعضاء كنيست ووزراء إسرائيليين. وخلال شهر من إعلان الحرب قامت أجهزةُ الامن الداخليّة في إسرائيل بتعقب واضح لكلِ كلمةٍ او محاولة تعبير من قبل مواطنين عرب، يمكن ان يفهم منها أنّها تعبير عن “تفهّم” أو تبرير لما فعلته حماس، أو دفاعٌ عن كونها حركة وطنيّة فلسطينيّة، وليست “داعش”، كما ترمي لذلك الدعاية الإسرائيليّة، او أي موقف يربط بين “الهجوم على غلاف غزة” وبين معاناة الفلسطينيين في سجنهم الكبير في غزّة قبل السّابع من أكتوبر. حملة كبيرة من الملاحقة والتنكيل غير المسبوق بحق المواطنين الفلسطينيين ونشطائهم.

اعداد:

 أ.د أسعد غانم

أ. باسل خلايلة