ورقة تقدير موقف سياسية بعنوان “السلطة الفلسطينية بين اصلاح الذات والتآكل الوظيفي.. أي مصير ينتظرها؟”

نشر مركز فينيق للبحوث والدراسات الحقلية- جامعة غزة ورقة تقدير موقف سياسية بعنوان:السلطة الفلسطينية بين اصلاح الذات والتآكل الوظيفي.. أي مصير ينتظرها؟

مقدمة:

تتشكل السلطات السياسية في سياق تاريخي، له شروطه ومعطياته الذاتية والموضوعية، وله سياقات يولد بها وينتهي عندها. هذه السياقات او المسارات لنمو وتطور السلطة السياسية تتوقف على العديد من العوامل، كما وتخضع لجملة من الشروط، ومن أبرز هذه العوامل: المكونات التاريخية لمجتمع هذه السلطة، من أحزاب وتشكيلات سياسية واجتماعية، بالإضافة الى المكونات الرمزية من قادة تاريخيين أو قادة مؤسسين، مهدوا لهذه السلطة أو قادوها.

 كذلك تخضع هذه السلطة للشروط العامة للجغرافيا السياسية المحيطة بها، والمتداخلة معها، إضافة الى النمط الاقتصادي لمجتمع السلطة ومحيطها، وبالذات مكونات الثروة وأشكال توزعها، وطريقة احتكار الثروة من قبل السلطة السياسية. كما تتأثر منظومة السلطة السياسية بعوامل أخرى، كمستويات التعليم ونوعيته والمنظومة الثقافية والقيمية، لمجتمع السلطة ومدى دور وتحكم الأيدولوجيات والأديان في نظم العلاقات بين مكونات المجتمع، ومستوى ومنسوب الوعي والممارسة الديمقراطية، وعوامل فرعية أخرى لا يتسع المجال لحصرها هنا.

لقد جاء ميلاد السلطة الوطنية الفلسطينية التي حُرمت من صفتها الوطنية كتعريف، واقتصرت على وظيفتها السلطوية كمنتج لاتفاقيات آوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وحكومة إسرائيل بزعامة اسحق رابين. هذه الاتفاقيات التي اتسمت بالغموض على مستوى النص، وحوت الكثير من التعقيدات والاشكاليات على مستوى المضمون، فيما يخص الحقوق الوطنية الفلسطينية، والحلول التاريخية. أو ما سمي بقضايا الحل النهائي التي تُركت في مجاهيل المستقبل الغامض، الذي واكب نشوء وتطور السلطة الفلسطينية، التي شهدت حقبتين: الأولى قادها الراحل ياسر عرفات واتسمت بشرطها الذاتي، الذي يمكن أن نطلق عليه توصيفاً وليس تعريفاً، بحقبة ياسر عرفات “الحقبة العرفاتية”، والتي كانت امتداد لقيادة الراحل ياسر عرفات لمنظمة التحرير الفلسطينية. والحقبة الثانية هي حقبة الرئيس عباس وحركة حماس، هذه الحقبة التي سوف نتناولها بالتحليل والتقييم والتقدير.

حقبة ما بعد الراحل ياسر عرفات، اتسمت بدخول حركة حماس الى مبنى السلطة الفلسطينية، على مستوى البنية التشريعية، والبنية التنفيذية. فحماس التي حصلت في انتخابات عام 2006 على الأغلبية بمقاعد المجلس التشريعي، وكلفت بتشكيل الحكومة بناء على ذلك، أصبحت جزءاً أصيلا من منظومة السلطة الفلسطينية، حتى بعد توضع ما يعرف بالانقسام، وسيطرة حماس على قطاع غزة وابعاد أبو مازن وحزبه السياسي “حركة فتح” الى الضفة الغربية، والذي أنتج منظومتين سياسيتين منقسمتين في اطار مبنى السلطة الوطنية الفلسطينية، مع احتفاظ الرئيس أبو مازن “بالجدة” منظمة التحرير الفلسطينية، والتي سعى جاهدا الى الحفاظ على بنيتها القديمة؛ للحيلولة دون مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

ورغم حالة الالتباس في العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية، التي أفرغت من كل مضامينها وأدواتها وأدوارها الوطنية، وتم اخضاعها للسلطة الوطنية الفلسطينية في عملية استقلاب سياسية خطيرة، مرت دون اعتراض أو معارضة من مختلف القوى السياسية. فالسلطة الوطنية الفلسطينية التي اعتبرت ذراعا من أذرع منظمة التحرير، ابتلعت المنظمة وحولتها لأداة في الصراع السياسي، الذي شهده مبنى السلطة الفلسطينية بعد العام 2006. واذا كان الراحل ياسر عرفات وجه الضربة الكبرى لمنظمة التحرير، في مجلسها الوطني المنعقد في غزة عام 1998، الذي شهد أكبر عملية تنازل عن الحقوق الوطنية، من خلال تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني؛ للتكيف مع اشتراطات حكومة الاحتلال ومتطلبات المجتمع الدولي.

والضربة التالية التي تلقتها منظمة التحرير في حقبة الرئيس أبو مازن، تمثلت أولاً في تعطيل دور منظمة التحرير الفلسطينية في إدارة التجمعات الفلسطينية الكبرى خارج ولاية السلطة الفلسطينية، والبدء بعملية تفكيك منظمة التحرير، وإعادة صياغتها بعيداً عن العملية الديمقراطية وآلياتها وتكريساً لحكم الفرد الذي رسخه الرئيس أبو مازن، والذي حول منظمة التحرير لبنية مفرغة، من أدواتها المؤثرة، ومحكومة بسلطة الفرد المطلقة في تشكيلاتها وقراراتها وأدوارها. هذا النموذج نموذج سلطة الفرد القائمة والمستندة الى الأدوات الأمنية، نقلها الرئيس أبو مازن الى السلطة الفلسطينية.