"التداعيات الإقليمية بعد السابع من أكتوبر "مفهوم وحدة الساحات وتطبيع العلاقات

لقد مثَّلَت عمليَّة السَّابع من أكتوبر – والحرب الانتقاميَّة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة بعدها- حدثًا دراماتيكيًّا مفصليًّا في حاضر ومستقبل القضيَّة الفلسطينيَّة، ومن ثمَّ في الإقليم بشكل عام، حيث فرضت الوقائع الحاليَّة تحوُّلًا في اتجاهات السياسة الإقليميَّة، إذ كان الاتجاه العام – العربي على وجه التحديد – يسير بخطًى محمومة نحو استكمال تشكيل منظومة أمنيَّة إقليميَّة تتزعمها إسرائيل- وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية- كحلف دفاعي في مواجهة التهديد الإيراني لأمن دول المنطقة، وذلك من خلال لحاق باقي الدول العربيَّة بقطار التطبيع العربي الإسرائيلي الذي انطلق منذ عقود، والذي يشهد في السَّنوات الأخيرة حركة نشطة لانضمام بعض الدول، إذ كانت المملكة العربيَّة السعوديَّة – والتي تعد من أكبر الدول الوازنة في الإقليم- على أعتاب توقيع اتفاق مرتقب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بوساطة أمريكية قبل السَّابع من أكتوبر بقليل.

إلا أنَّ ما حدث في السَّابع من أكتوبر وما بعده قد جمّد كل شيء في هذا السياق – المعلن رسميًّا على الأقل -، ومن ثم فقد برزت توجُّهات سياسيَّة أخرى في المنطقة، عبر طرح إستراتيجيَّة إقليميَّة مخالفة من جانب إيران ووكلائها في المنطقة، من خلال محاولة تطبيق معادلة (وحدة الساحات) على الأرض، في ظل الحرب الدائرة حاليًّا في قطاع غزة؛ لكن – وبعد الاختبار العملي لأكثر من ثمانية أشهر لوحدة السَّاحات – ترى الدراسة: أنَّ هناك بونًا شاسعًا بين الشعار والممارسة الفعليَّة على الأرض، فما زال ما يعرف بمحور المقاومة منذ اندلاع الحرب يعمل ضمن منطق وحسابات تتعلق بالظرف الداخلي لكل ساحة على حدة بالدرجة الأولى، إلى جانب عدم تجاوز حدود تناسُب الفعل ورد الفعل تجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي، في إطار معادلة تعدد ساحات إسناد ساحة قطاع غزة، وليس التوحد والانخراط معها بشكل كامل، على خلاف ما كان قد حذر منه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس “صالح العاروري” قبيل السَّابع من أكتوبر، من أنَّ أيَّ استئناف لعمليات الاغتيال من طرف إسرائيل لقادة الحركة قد يثير حربًا إقليميَّة مدمرة.

وباختصار قد تكون عمليَّة السَّابع من أكتوبر أسهمت إلى حد كبير في ترجيح كفة توجه سياسي إقليمي (وحدة الساحات) بعد السابع من أكتوبر حتى اليوم؛ لكنها لم تَلغِ وجود التوجُّهات السياسيَّة الأخرى (التطبيع)، أو حتى احتمال عودتها بمجرد أن تضع الحرب أوزارها، بل ومن الممكن قبل ذلك.

اعداد:

د. هاني رمضان طالب