مقدمة

تشهَد الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة عام 1967 – في السنة الثَّانية من الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023 – تصعيدًا عسكريًّا وسياسيًّا يُعِيد تشكيل المشهد الإقليمي، ويختبر توازنات القوى الدوليَّة، وقد أدَّت الحرب إلى دمار هائل، وأزمة إنسانيَّة غير مسبوقة، وخسائر بشريَّة وماديَّة فادحة، خاصَّة في غزَّة التي باتت تعكس مأساة إنسانيَّة غير مسبوقة، وأصبحت مختبرًا مكشوفًا لإعادة تعريف مفاهيم السيادة، والاحتلال، والمقاومة، أمَّا الضفَّة الغربيَّة فلم تعُدْ مجرَّد ساحة خلفيَّة؛ بل تتقدم بسرعة نحو الانفجار، تحت وطأة سياسات توسعيَّة واستيطانيَّة وتدميريَّة تُقوِّض ما تبقَّى من أفق سياسي.

تتصَارعُ الأجندات الإسرائيليَّة –  التي تُركِّز على القضاء على حماس، ونزع سلاحها، وتعزيز السَّيطرة الدَّائمة عبر إستراتيجيَّة الاحتلال المدار – مع المطالب الفلسطينيَّة في إيجاد حلٍّ سياسيٍّ شامل يضْمَن تقرير المَصِير وإقامة دولة مستقلة، وتتعدَّد الرُّؤى حول مستقبل الحوكمة، وإعادة الإعمار، والتَّسوية السياسيَّة، بينما تتعقَّد السِّيناريوهات المحتملة لأسباب تتعلَّق بالتحوُّلات الإستراتيجيَّة الإسرائيليَّة حيث تبدُو فرصُ التوصُّل إلى وَقْف إطلاق النَّار ضئيلة، بسبب محاولات نتنياهو إطالة الحرب لتلبية مطالب اليمين المتطرِّف، في مقابل تحرُّك دولي ضعيف، وانقسامات فلسطينيَّة داخليَّة، ودعم أمريكي لإسرائيل، وفعل عربي لا يرتقي إلى حجم الكارثة.

في هذا السِّياق تبرزُ الحاجة إلى تصوُّر جديد لليوم التَّالي للحرب، يتجاوز إعادة الإعمار إلى إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، واستعادة الثِّقة الشعبيَّة والدوليَّة، فإنَّ إعادة توحيد المؤسَّسات، وتأمين الموارد، وضمان الأمن ليست مجرَّد استحقاقات فنيَّة؛ بل مفاتيح سياسيَّة لبناء واقع جديد.

وسوفَ تُسلِّط هذِه الورقة الضَّوءَ على التطوُّرات السياسيَّة والأمنيَّة المتلاحقة في قطاع غزَّة والضفَّة الغربيَّة في العام الثَّاني للحرب، في ظلِّ تصاعد العمليَّات العسكريَّة الإسرائيليَّة، وخطط إعادة الاحتلال في غزَّة، وتصعيد العمليَّات في الضفَّة الغربيَّة، والتحدِّيات السياسيَّة والأمنيَّة، والتَّفاعُلات الإقليميَّة والدوليَّة، مع استشراف للسِّيناريوهات المحتملة، ومستقبل الحوكمة الفلسطينيَّة وسط أحد أكثر الفصول تعقيدًا في تاريخ الصِّراع. 

اعداد د. رائد محمد نجم