مركز فينيق للبحوث ينظم جلسة حوارية بعنوان ما بعد اعلان الجزائر للمصالحة الوطنية
عقد مركز فينيق للبحوث والدراسات الحقلية – جامعة غزة – ضمن برنامج “قضية وحوار”، جلسة حوارية بعنوان: “ما بعد اعلان الجزائر للمصالحة الوطنية”.
افتتح الجلسة الدكتور صلاح عبد العاطي، مُرحبا بالحضور الكرام داعيا الي تناول اعلان الجزائر ومخرجاته بشكل مكثف، بغية القاء الضوء على ما حدث من مجريات بين الفصائل، والحكومة الجزائرية والمخاطر التي برزت أثناء صياغة برنامج المصالحة. والتي وصلت الى حد التهديد بإفشال لقاء المصالحة، نتيجة الخلافات العميقة بين فتح وحماس، حول تشكيل حكومة الاتحاد الوطني وبرنامجها السياسي.
مما دعى الأطراف الي شطب هذا البند من ورقة المصالحة، فما الذي بقي من نقاط وعناوين للتوافق؟ وهل تشكل تلك النقاط والعناوين مدخلا عمليا للمصالحة؟ لكن السؤال الأهم، الذي نطرحه اليوم على حوار هذه الورشة هو ما الجديد الذي حمله اتفاق الجزائر عن الاتفاقيات السابقة؟ وما الذي تغير في النصوص والنفوس؟
هذه القضايا ستكون علي جدول البحث علي طاولتنا المستديرة، وقد ثمن د. صلاح عبد العاطي دور الجزائر، قيادة وشعبا في دعم القضية الفلسطينية، وفي دعم مسار المصالحة الفلسطينية.
وفي هذا السياق، تناول الحضور لقاء الجزائر والمخرجات الناتجة عنه، سواء فيما يخص مجريات الحوار والعقبات التي تخللته، وآليات تسوية تلك العقبات والخلافات. كما قام الحضور بعمل مقاربات ما بين اتفاق الجزائر، والاتفاقات السابقة في القاهرة وغزة وبيروت.
وقد خلص المجتمعون الى القضايا والنتائج التالية:
أولا: ان استضافة او رعاية أي جهة عربية أو دولية للمصالحة، يحتاج الى رافعة شعبية فلسطينية، تمارس الضغط على طرفي الانقسام. للدفع بهما الى إدراك المخاطر الناجمة عن حالة الانقسام، وأثرها المدمر على القضية الوطنية الفلسطينية بكافة أبعادها. ولا سيما أن المجتمعون على طاولة الحوار، قد توافقوا على ان الانقسام إرادة إسرائيلية وبرنامج إسرائيلي. لا بل أكثر من ذلك، فقد رأى بعض الحضور أن الانقسام يشكل السلاح الأهم بيد إسرائيل. في مواجهة الشعب الفلسطيني متماثلا مع سلاح الاستيطان والحصار والعنصرية.
كما لفت المشاركون الى صعوبات أخرى، تكدست في الحياة السياسية الفلسطينية، تحول دون احداث المصالحة، ومن ابرز تلك المعطيات: التحولات البنيوية التي طالت فصائل العمل الوطني، والمتمثلة في التحول الرئيسي الذي أصاب بنية الفصائل، وهو التحول من بنية المقاومة الى بنية السلطة، وما تبعت عمليات التحول من تشكيلات اجتماعية وثقافية وسياسية. وما تنتجه هذا التشكيلات من شبكة مصالح اقتصادية وسياسية، انتجتها حالة الانقسام. كذلك أنتجت هذه الحالة، الصراع العنيف على ادعاء التمثيل السياسي، الذي شكل لقاء الجزائر جزءاً منه.
وفي هذا السياق، تساءل الحضور عن تغييب وشطب بند حكومة الوحدة الوطنية، الذي يشكل المدخل والاختبار العملي للمصالحة. هذه الحكومة التي من المفترض ان يناط بها الاشراف، وتطبيق بنود الاتفاق، وأبرزها: بند الانتخابات الشاملة.
فمن وكيف سيشرف على الانتخابات التي جرى إقرارها خلال عام؟، هذه النقيصة السياسية تم القفز عليها وتنحيتها، والتضحية بها على مذبح إنجاح لقاء الجزائر، مما حول هذا اللقاء الى إضافة كمية على ملف المصالحة، المثقل بالاتفاقيات واللقاءات.
وفي هذا السياق رأى بعض الحضور، أن اتفاق الجزائر وقياس مخرجاته، لا يتعدى كونه لقاء مجاملة، واتفاق رفع عتب لدولة الجزائر التي تحتضن القمة العربية القادمة. فطرفي الانقسام يحرص على تعزيز موقعه لدى الدولة الجزائرية. وفي هذا السياق، تعتبر حركة حماس أهم الرابحين من لقاء الجزائر، سواء على صعيد تعزيز علاقاتها بدولة الجزائر، وتثبيت ذاتها كشريك أساسي ورئيسي في القرار الوطني الفلسطيني، والتمثيل السياسي الفلسطيني، فحركة حماس في هذا المقام هي من الرابحين من لقاء الجزائر.
وفي اتجاه آخر، ذهب بعض الحضور الى أن قضية المصالحة بكافة ملفاتها، هي قضية لا تستحق كل هذا الجهد، ويجب تجاوزها باتجاه فعل كفاحي متجدد في سياقات وطنية، بعيداً عن منتجات أوسلو ومخلفاته السياسية. وهذه الرؤية تعتمد على أن تطور الأحداث، وتجديد أشكال الصراع تجاوز عمليا قضية المصالحة، بملفاتها المعروفة. ويعمق هذا الاتجاه رؤيته، بالقول بأن “المصالحة متحققة، من خلال حالة الصراع مع الاحتلال بأشكالها المختلفة، وأدواتها المتنوعة. وهذا بحد ذاته يؤسس لانسياقات مختلفة عن واقع الانقسام، الذي يديره طرفي الانقسام معطوفاً بإسناد خارجي، إقليمي ودولي.
هذا الدعم يأخذ العديد من الأشكال والمسميات، منها ما هو انساني ومنها ما هو سياسي، والسياسي يقع بين الحدين المتناقضين الكبيرين، حد التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، ومتفرعاته، والحد الآخر، حد دعم المقاومة واسنادها، وإعادة اعمار ورفع الحصار عن غزة.
هذان الحدان، رأى بعض الحضور أنهما يشكلان عصب الانقسام، وقد غابا في النقاش والنتائج عن حوارات الجزائر. وعليه فقد رأى هذا الاتجاه أننا أمام مرحلة إدارة الانقسام، لا إزالة الانقسام، هذا الاستخلاص يرى أصحابه أن إدارة الانقسام، تشكل حلاً سحرياً لطرفي الانقسام وداعميهم وحلفائهم، كما تشكل إدارة الانقسام معطى سياسي بامتياز؛ للحفاظ على حالة الثبات النسبي للحالة الراهنة، التي تسمح لطرفي الانقسام بالتمتع بالمزايا السياسية والمنافع السلطوية، دون ضغط أو ازعاج.
غير أن العامل الأهم في هذا السياق، هو تمكن إسرائيل كقوة احتلال من السيطرة على الطرفين، وان بأدوات مختلفة. وادماج الطرفان في مشروعها الاستيطاني العنصري، من خلال تعطيل المشروع الكفاحي الشامل للشعب الفلسطيني، وتحويله الى قضايا مطلبية حياتية وإنسانية.
وقد خُتم اللقاء بالإشارة الى أن الانقسام الفلسطيني هو جزء من المشهد العربي السائد، الذي تعايشه الحالة العربية على مستوى الدولة والمجتمع، وهذا ربما يشير الى حالة التماثل التي تمر بها الأمة العربية فيما يخص بناء الدولة والمجتمع. فالدولة العربية ونظامها السياسي فشلت في انجاز مهمتي التنمية والتحرر، والمجتمع العربي فشل في بناء منظومتي الحداثة والديمقراطية.
إعداد وتحرير
أ. ناصر عليوة